منذ عامين وجدت كيسا قديما يكسوه تراب السنوات الطوال علمت فيما بعد انه
يخص أمي عندما كانت في عمري هذا.. مليء بالروايات والكتيبات الصغيرة ..
وانطلقت ابحث فيه وافتش . . اكثر ما وجدت كان
روايات (عبير) التي لم تروقني يوما ..
وبعض الروايات لكتاب مصريين لم أسمع بهم يوما
نظرا للجهل الأدبي الذي أعاني منه ..
ثم أخيرا وجدت ما استطاع أن يجذبني ويلفت
انتباهي .. (خان الخليلي) للمبدع نجيب محفوظ..
بالطبع لم يجذبني اسم الرواية .. بل جذبني
كاتبها .. ربما لأنه الكاتب الوحيد الذي تعرفت عليه منذ أن تطفلت وفتحت الكيس ..هو
اسم رنان على أية حال..
خلصت الكتاب من اكبر كم من الأتربة التي
تتجمع بن صفحاته.. وهممت بقراءته على تكهن بالشعور بالملل وتركه بعد صفحات قلائل
من القراءة المملة ..
ولكن تكهناتي فشلت ..
هل علي أن أصف كيف كتب محفوظ تلك الرواية ؟؟
كيف كون الشخصيات الرئيسية الثلاث ؟؟ كيف أبدع وتألق بكلمات توغلت في الفصحى أيما
توغل ؟؟ كيف يجعلك بوصف ساحر ترى جنبات الغرفة التي يحدث فيها المشهد ؟؟ كيف يوصل
إلى النفس كل أشكال المشاعر المتخبطة في آن واحد ؟؟
باختصار شديد .. شعرت أنه كتب الرواية وهو
جالس في قهوة الزهرة .. ويتأمل خان الخليلي وينظر اليه نظرات ثاقبة .. اشعرني أنه
حي دافئ حميم .. يلامس أساريرك .. يتحدث معك ويتلاعب بمشاعرك .. أشعرني بإزعاجه
الهادئ .. بإزدحامه الرقيق .. بواقعه الخيالي ..
وعن الشقيقان والحبيبة المشتركة التي لن تقبل
القسمة راق لي محفوظ كثيرا ... برشاقة أدار دائرة الحب المتبادل بين الثلاثة ..
الكهل جذبته السمراء ذات العينين النجلاوين .. والسمراء راقها الكهل الأربعيني
ربما للمكانة المرموقة الزائفة التي ادعت والدته أنه يعمل بها .. والأمر لن يستمر
طويلا حتى يأتي الشقيق الأصغر ليبهر الفتاة الصغيرة بكل تصرفاته .. هو جريء سريع
صغير السن حسن المظهر والملامح .. لم يكتفي بمجرد النظرات المتبادلة .. بل اوقع
السمراء في حبه سريعا .. بل واقدم على الزواج بها في حين يقف الكهل بلا حول ولا
قوة ولا رد فعل ..
أما عن مرض الشاب فهنا محفوظ وصل لذروة إبداع
خان الخليلي .. لحظات ألمه .. صدمة المرض البشع .. السعال الذي أرهق أضلاعه ..
والهزال الذي أصابه .. والفشل في مغادرة الفراش .. اللاقدرة على تناول الطعام .. لحظات
المصحة الشجنية .. رسائلة لشقيقه .. وإلى وفاته .. ووصف الشقيق الكهل لمرتزقة
الموت بكل قرف وكره وبغض ..
تحركت داخلي كل أشكال وألوان التأثر .. تلاعب
بي محفوظ كيفما شاء .. أبكاني حينما أراد ذلك .. أخافني في الوقت الذي أرداه ..
اوصلني الى قمة حماسي في كله كلمة أراد
بها ذلك .. وختم الرواية كما بدأها .. ولكن بأثر واقع في قلبي لن يتغير ..بندبة
ولكن جميلة جسدت معنى المعاناة والألم النفسي والبدني ..
من قرأ الرواية لن يعجبه الفيلم بالرغم من
تألق عماد حمدي في أداء دور الكهل كما يصفه محفوظ .. الا ان كم المشاعر المختلطة
والأحاسيس الكثيرة والتعبيرات الفعلية والمكنونة لن يستشفها احد من اداء ممثلي
الفيلم كما فعل أبطال الرواية.. ان شاهدت الفيلم دونما الرواية فقد فاتك الكثير ..
وان لم تقرا الرواية ولم تشاهد الفيلم فقد فاتك الاكثر ..
عندما تتسنى لي زيارة القاهرة .. سأضع خان
الخليلي في برنامجي .. وسأرسل لمحفوظ الفاتحة من هناك ..
امي .. اعتذر على اقتحام كيس روايتك ..!!!